فصل: فصل: (استقبال القبلة عند التكبير)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ صلاة الجمعة

وهي واجبة بالإجماع وروى ابن ماجة عن جابر قال‏:‏ خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏واعلموا أن الله قد افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا في يومي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة فمن تركها في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائر استخفافا بها أو جحودا لها فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في أمره‏]‏‏.‏

ولا تجب إلا على من اجتمعت فيه شرائط ثمانية‏:‏ الإسلام والبلوغ والعقل لأنها من شرائط التكاليف بالفروع والذكورية والحرية والاستيطان لما روى طارق بن شهاب قال‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة‏:‏ عبد مملوك أو امرأة أو مسافر أو مريض‏]‏ رواه أبو داود ولأن المرأة ليست من أهل الجماعات وكان النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات يوم جمعة فلم يصل جمعة‏.‏

وفي العبد رواية أخرى أنها تجب عليه لأنها فرض عين من الصلوات فوجبت عليه كالظهر والأولى أولى للخبر ولأن العبد مملوك المنفعة محبوس على سيده أشبه المحبوس بدين‏.‏

السابع‏:‏ انتقاء الأعذار المسقطة للجماعة‏.‏

الثامن‏:‏ أن يكون مقيما بمكان الجمعة أو قريبا منه وتجب الجمعة على أهل المصر قريبهم وبعيدهم لأن البلد كالشيء الواحد وتجب على من بينه وبين الجامع فرسخ من غيرهم ولا تجب على غيرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏الجمعة على من سمع النداء‏]‏ رواه أبو داود ولم يمكن اعتبار السماع بنفسه فاعتبر بمظنته والموضع الذي يسمع منه النداء في الغالب إذا كان المؤذن صيتا بموضع عال والرياح ساكنة والأصوات هادئة والعوارض منتفية فرسخ فاعتبرناه به‏.‏

فصل‏:‏ وهذه الشروط تنقسم أربعة أقسام

أحدها‏:‏ شرط للصحة والانعقاد وهو‏:‏ الإسلام والعقل فلا تصح من كافر ولا مجنون ولا تنعقد بهما لأنهما ليسا من أهل العبادات‏.‏

الثاني‏:‏ شرط للوجوب والانعقاد وهي‏:‏ الحرية والذكورية والبلوغ والاستيطان فلا تنعقد الجمعة بمن عدمت فيه ولايصح إمامتهم فيها لأنهم من غير أهل الوجوب فلم تنعقد بهم كالنساء وتصح منهم وتجزئهم عند الظهر وحضورها لغير النساء أفضل لأن سقوطها عنهم رخصة فإن تكلفوا فعلها أجزأتهم كالمريض يتكلف الصلاة قائما‏.‏

الثالث‏:‏ شرط الوجوب السعي فقط وهو‏:‏ انتقاء الأعذار فلو تكلف المريض الحضور وجبت عليه وانعقدت به لأن سقوطها كان لدفع المشقة فإذا حضرت زالت المشقة فوجبت عليه وانعقدت به كالصحيح‏.‏

الرابع‏:‏ شرط الانعقاد حسب وهو‏:‏ الإقامة بمكان الجمعة فلو كان أهل القرية يسمعون النداء من المصر لزمهم حضورها ولم تنعقد بهم ولو خرج أهل المصر أو بعضهم إلى القرية لم تنعقد بهم الجمعة لأنهم غير مستوطنين بها والظاهر أنها تصح إمامتهم فيها لأنهم من أهل الوجوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من لم تجب عليه الجمعة‏]‏

والأفضل لمن لم تجب عليه الجمعة أن لا يصلي الظهر قبل صلاة الإمام لأنه ربما زال عذره فلزمته الجمعة فإن صلى فقال أبو بكر‏:‏ لا تصح صلاته لذلك والصحيح أنها تصح لأنه صلى فرضه فلا يبطل بالاحتمال كالمتيمم فإن زال عذره فقياس المذهب أنه لا تلزمه الجمعة لأنه أدى فرض الوقت فأشبه المعضوب إذا حج عن نفسه ثم برئ وإن لم يزل العذر فحضورها كانت لهم نفلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر‏:‏ ‏[‏فصلها معهم تكن لك نافلة‏]‏ ولأن الأولى أسقطت الفرض فأما من تجب عليه الجمعة إذا صلى الظهر قبل صلاة الإمام لم تصح لأنه ما خوطب بالظهر فإن فاتته الجمعة أعادها ظهرا لأنه خوطب بها حينئذ‏.‏

وإن اتفق أهل بلد على ترك الجمعة وصلوا ظهرا لم تصح لذلك فإذا خرج وقت الجمعة لزمهم الجمعة لزمهم إعادة الظهر ولا يكره لمن فاتته الجمعة أو لم يكن من أهل فرضها أن يصلي الظهر في جماعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة‏]‏ متفق عليه فإن خاف التهمة استحب إخفاؤها ليدفعها عن نفسه‏.‏

فصل‏:‏ ويشترط لصحة الجمعة أربعة شروط‏:‏

أحدها‏:‏ الوقت فلا تصح قبل وقته ولا بعده بالإجماع وآخر وقتها آخر وقت الظهر بغير خلاف فأما أوله فذكر القاضي أنها تجوز في وقت العيد لأن أحمد رضي الله عنه قال في رواية عبد الله‏:‏ يجوز أن يصلي الجمعة قبل الزوال يذهب إلى أنها كصلاة العيد لحديث وكيع عن جعفر بن برقان عن ثابت بن حجاج عن عبد الله بن سيلان قال‏:‏ شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل انتصاف النهار وشهدتها مع عمر بن الخطاب فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول‏:‏ قد انتصف النهار ثم صليتها مع عثمان بن عفان رضوان الله عليهم أجمعين فكانت خطبته وصلاته إلى أن أقول‏:‏ قد زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك أو أنكره وهذا نقل للإجماع‏.‏

وعن جابر قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة فنذهب إلى جمالنا فنزيحها حين تزول الشمس رواه مسلم ولأنها صلاة عيد أشبهت صلاة العيدين‏.‏

وقال الخرقي‏:‏ تجوز في الساعة السادسة وفي نسخة الخامسة فمفهومه أنه لا يجوز قبل ذلك لأن ما رويناه تختص به والأفضل فعلها عند زوال الشمس صيفا وشتاء لا يقدمها إلى موضوع الخلاف ولا يؤخرها فيشق على الناس لما روى سلمة بن الكوع قال‏:‏ كنا نجمع مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء متفق عليه فإن خرج الوقت وهم فيها فقال أحمد من أدرك التشهد أتمها جمعة فظاهره أنه يعتبر الوقت في جميعها إلا السلام لأن الوقت شرط فيعتبر في جميعها كالضوء وقال الخرقي‏:‏ إن دخل وقت العصر وقد صلوا ركعة أجزأتهم جمعة لأنه شرط يختص بالجمعة فلم يعتبر في الركعة الثانية كالجماعة في حق المسبوق وإن أدرك أقل من ذلك فهل يتمها ظهرا أو يستأنف‏؟‏ على وجهين بناء على المسبوق بأكثر من ركعة وقال القاضي‏:‏ متى تلبس بها في وقتها أتمها جمعة قياسا على سائر الصلوات فإن شرع فيها ثم شك في خروج الوقت أتمها جمعة لأن الأصل بقاؤه وإن ضاق الوقت عما يجري في الجمعة لم يكن لهم فعلها‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثاني

أن يكون في قرية مبنية بما جرت العادة ببناء القرى به من حجر أو طين أو لبن أو قصب مجتمعة البناء بما جرت به العادة في القرية الواحدة يسكنها أربعون من أهل الجمعة سكنى إقامة لا يظعنون عنها صيفا ولا شتاء فأما أهل الخيام وبيوت الشعر فلا جمعة لهم لأن ذلك لا ينصب للاستيطان ولذلك كانت قبائل العرب حول المدينة ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بجمعة وإن كانت قرية يسكن فيها بعض السنة دون بعضهم أو متفرقة تفريقا لم تجر فيه العادة لم تصح فيها الجمعة فإن اجتمعت هذه الشروط في القرية وجبت الجمعة على أهلها وصحت بها لأن كعبا قال‏:‏ أسعد بن زرارة أول من جمع بنا في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له‏:‏ نقيع الخضمات رواه أبو داود‏.‏

قال الخطابي حرة بني بياضة على ميل من المدينة ولأن هذا بناء استوطنه أربعون من أهل الجمعة فوجبت عليهم كأهل مصر وتجوز إقامة أهل الجمعة فيما قارب البنيان من الصحراء لحديث أسعد بن زرارة فإن خربت القرية فلازموها عازمين على إصلاحها ومرمتها فحكمها باق وإن عزموا على النقل عنها زال الاستيطان‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثالث‏:‏

اجتماع أربعين ممن تنعقد بهم الجمعة‏.‏

وعنه‏:‏ تنعقد بثلاثة لأنهم جمع تنعقد بهم الجماعة وعنه بخمسين والمذهب الأول لأن جابرا قال‏:‏ مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة فينصرف إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن انقضوا فلم يبق معه إلا أقل من أربعين لم يتمها جمعة لأنه شرط فاعتبر في جميع الصلاة كالطهارة وهل يستأنف ظهرا أو يبني على صلاته‏؟‏ على وجهين بناء على المسبوق وقياس المذهب أنهم إن انفضوا بعد صلاة ركعة أتمها جمعة لأنها شرط تختص الجمعة فلم يعتبر الركوع في أكثر من ركعة كالجماعة فيها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم المسبوق في صلاة الجمعة‏]‏

ولا يختلف المذهب أن المسبوق إذا أدرك مع الإمام الركوع في الثانية أنه يتمها جمعة فإن أدرك أقل من ذلك لم يتمها جمعة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة‏]‏ متفق عليه وفي لفظ‏:‏ ‏[‏فليضف إليها أخرى‏]‏ فأما من أدرك أقل من ذلك فقال الخرقي‏:‏ يبني على ظهر إذا كان قد دخل بينه الظهر فظاهر هذا أنه إن نوى جمعة لزمه الاستئناف لأنهما صلاتان لا تتأدى أحدهما بنية أخرى فلم يجز بناؤها عليها كالظهر والعصر وقال أبو اسحق بن شاقلا‏:‏ ينوي جمعة لئلا يخالف بنيته نية إمامه ثم يبني عليها ظهرا لأنهما فرض وقت واحد ردت إحداهما من أربع إلى ركعتين فجاز أن يبني عليها الأربع كالتامة مع المقصورة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود‏]‏

من أحرم مع الإمام ثم زوحم عن السجود فأمكنه السجود على ظهر إنسان أو قدمه لزمه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ إذا اشتد الزحام فليسجد على ظهر أخيه أو قدمه رواه الطيالسي ولأنه يأتي بما يمكنه حال العجز فوجب وصح كالمريض يومئ فإن لم يمكنه ذلك انتظر زوال الزحام ثم يسجد ويتبع الإمام لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بذلك في صلاة عسفان للعذر والعذر ههنا قائم وكذلك إن تعذر عليه السجود لعذر من مرض أو نوم أو سهو فإن خاف فوات الركوع مع إمامه لزمه متابعة وترك السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏فإن ركع فاركعوا‏]‏ ولأنه مأموم خاف فوات الركعة فلزمه متابعة إمامه كالمسبوق فيركع مع إمامه وتبطل الأولى وتصير الثانية أولاه فإن سجد وترك متابعة إمامه بطلت صلاته إن علم تحريم ذلك لأنه ترك الواجب عمدا وإن لم يكن يعلم تحريمه لم تبطل صلاته ولم يعتد بسجوده لأنه أتى به في موضع الركوع جهلا فهو كالساهي‏.‏

وقال أبو الخطاب‏:‏ يعتد بسجوده ويتم ركعته الأولى فإن أدرك الركوع أيضا صحت له الركعتان وإن فاته الركوع فاتته الثانية وحدها فيقضيها بعد سلام إمامه وتصح جمعته قال‏:‏ ويسجد للسهو وقال القاضي‏:‏ هو كمن لم يسجد فإن أدرك الركوع صحت الثانية وحدها وإن فاته الركوع وأدرك معه السجدتين سجدهما للركعة الأولى وصحت له ركعة ويقضي ركعة وتمت جمعته لإدراكه ركعة وإن فاتته السجدتان أو إحداهما قضى ذلك بعد سلام إمامه فتصح له ركعة وكذا لو ترك سجدتي الأولى خوفا من فوات ركوع الثانية فركع معه وزوحم عن سجدتي الثانية فأمكنه السجود في التشهد سجد وإن لم يمكنه سجد بعد سلام الإمام وصحت له ركعة ومثلها‏:‏ لو كان مسبوقا بالأولى وزوحم عن سجود الثانية وهل يكون مدركا للجمعة في كل موضع لم يتم له ركعة إلا بعد سلام إمامه‏؟‏ على روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ يكون مدركا لها لأنه قد يحرم بالصلاة مع الإمام أشبه ما لو ركع وسجد معه‏.‏

والثانية‏:‏ لا جمعة له لأنه لم يدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق بركوع الثانية وعلى هذه الرواية هل يستأنف أو يتمها ظهرا على وجهين‏.‏

وإن أحرم مع الإمام فزوحم وأخرج من الصف فصلى فذا لم تصح صلاته وإن صلى ركعة وأخرج من الثانية فأتمها وحده ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يتمها جمعة لأنه أدرك مع إمامه ركعة فأشبه المسبوق‏.‏

والثانية‏:‏ يعيد لأنه فذ في ركعة كاملة فإن أدرك مع الإمام ركعة وقام ليقضي فذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة أو شك في إحدى السجدتين لزمه أن يرجع إن لم يكن شرع في قراءة الثانية فيأتي بما ترك ثم يقضي ركعة أخرى ويتمها جمعة نص عليه وإن ذكر بعد شروعه في قراءة الثانية بطلت الأولى وصارت الثانية أولاه ويتمها جمعة على المنصوص وفيه وجه آخر أنه لا تحصل له الجمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة كاملة وهكذا لو قضى الثانية ثم علم أنه نسي سجدة لا يدري من أيهما تركها أو شك في ذلك فإنه يجعلها من الأولى وتصير الثانية أولاه فأما إن شك في إدراك الركوع مع الإمام لم يعتد له بالركعة التي مع الإمام وتصير ظهرا قولا واحدا‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الرابع‏:‏

أن يتقدمها خطبتان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين يعقد بينهما متفق عليه وقد قال‏:‏ ‏[‏صلوا كما رأيتموني أصلي‏]‏ وقالت عائشة رضي الله عنها‏:‏ إنما أقرت الجمعة ركعتين من أجل الخطبة ومن شرط صحتها حضور العدد المشروط للصلاة لأنه ذكر الاشتراط للصلاة واشترط له العدد كتكبيرة الإحرام فإن انفضوا وعادوا لم يطل الفصل صلى الجمعة لأنه تفريق يسير فلم يمنع كالتفريق بين المجموعتين ويشترط لهما الوقت لذلك ويشترط الموالاة في الخطبتين فإن فرق بين الخطبتين أو بين أجزاء الخطبة الواحدة أو بينهما وبين الصلاة فأطال بطلت فإن كان يسيرا بنى لأنهما مع الصلاة كالمجموعتين ويحتمل أن الموالاة ليست شرطا لأنه ذكر يتقدم الصلاة فلا يشترط الموالاة بينهما كالأذان والإقامة ولا يشترط لهما الطهارة نص عليه لذلك ولأنها لو اشترطت لاشترط الاستقبال كالصلاة وعنه‏:‏ أنها شرط لأنه ذكر شرط في الجمعة فأشبه تكبيرة الإحرام ويشترط أن يتولاهما من يتولى الصلاة لذلك لكن يجوز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر لأنه إذا جاز الاستخلاف في بعض الصلاة للعذر ففي الصلاة بكمالها أولى وعنه‏:‏ ما يدل على جواز الاستخلاف لغير عذر قال في الإمام يخطب يوم الجمعة ويصلي الأمير بالناس‏:‏ لا بأس إذا حضر الأمير الخطبة لأنه لا يشترط اتصالها بها فلم يشترط أن يتولاها واحد كصلاتين وهل يشترط أن يكون الخليفة ممن حضر الخطبة‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يشترط لأنه لا يشترط في صحة جمعته حضور الخطبة إذا كان مأموما فكذلك إذا كان إماما‏.‏

والثانية‏:‏ يشترط لأنه إمام فاشترط حضوره للخطبة كما لو لم يستخلف‏.‏

باب‏:‏ صلاة العيدين

وهي فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يداومون عليها ولأنها من شعائر الإسلام الظاهرة فكانت فرضا كالجهاد ولا تجب على الأعيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر للأعرابي خمس صلوات فقال‏:‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏لا إلا أن تطوع‏]‏ متفق عليه‏.‏

فإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام لتركهم شعائر الإسلام الظاهرة فأشبه تركهم الأذان ويشترط لوجوبها ما يشترط للجمعة لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة ولا يشترط لصحتها الاستيطان ولا العدد لأن أنسا كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فصلى بهم ركعتين يكبر فيهما ولأنهما من حق من انتفت فيه شروط الوجوب تطوع فلم يشترط لها ذلك كسائر التطوع وقال القاضي‏:‏ كلام أحمد رضي الله عنه يقتضي أن في اشتراط الاستيطان والعدد وإذن الإمام روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وقت صلاة العيدين‏]‏

ووقتها من حين ترتفع الشمس وتزول وقت النهي إلى الزوال فإن لم يعلم بها إلا بعد الزوال خرج من الغد فصلى بهم لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن ركبا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم رواه أبو داود ويسن تقديم الأضحى وتأخير الفطر لما روى عمرو بن حزم‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم الأضحى ويؤخر الفطر ولأن السنة إخراج الفطرة قبل العيد ففي تأخير الصلاة توسيع لوقتها ولا تجوز التضحية إلا بعد الصلاة ففي تعجيلها مبادرة إلى الأضحية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأكل يوم الفطر قبل الصلاة‏]‏

ويسن أن يأكل من الفطر قبل الصلاة ويمسك في الأضحى حتى يصلي لما روى بريدة قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي رواه الترمذي ويفطر على تمرات وتر لما روى أنس قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات رواه البخاري وفي لفظ‏:‏ ويأكلهن وترا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صلاة العيد في المصلى‏]‏

والسنة أن يصليها في المصلى لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده كانوا يفعلونها فيه ويستحب أن يستخلف على ضعفة الناس من يصلي بهم في الجامع لأن عليا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود البدري يصلي بضعفة الناس في المسجد وهل يصلي المستخلف ركعتين أو أربعا على روايتين بناء على اختلاف الروايات في فعل أبي مسعود وقد روي أنه صلى بهم ركعتين وروي أنه صلى بهم أربعا وإن كان عذر من مطر أو نحوه صلى في المسجد لما روى أبو هريرة قال‏:‏ أصابنا مطر في يوم عيد فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد رواه أبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يسن للعيد‏]‏

ويسن الاغتسال للعيد والطيب والتنظيف والسواك وأن يلبس أحسن ثيابه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع‏:‏ ‏[‏إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك‏]‏ فعلل ذلك بأنه يوم عيد ولأن هذا اليوم يشرع فيه الاجتماع للصلاة فأشبه الجمعة وقد روي ‏(‏أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتم ويلبس بردة الأحمر في العيدين والجمعة‏)‏ رواه ابن عبد البر إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يستحب للعيد‏]‏

ويستحب أن يبكر إليها المأموم ماشيا مظهرا للتكبير لأن عليا رضي الله عنه قال‏:‏ من السنة أن يأتي العيد ماشيا رواه الترمذي وقال حديث حسن ولأنه أعظم للأجر ويتأخر الإمام إلى وقت الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ولأن الإمام ينتظر ولا ينتظر وإذا غدا من طريق رجع من غيره لأن جابرا قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق رواه البخاري‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم خروج النساء للعيد‏]‏

قال ابن حامد‏:‏ ويستحب خروج النساء لما روت أم عطية قالت‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن المصلى ويشهدن الخير ودعوة المسلمين‏)‏ متفق عليه قال القاضي‏:‏ وظاهر كلام أحمد أن ذلك جائز غير مستحب ولا يلبسن ثوب شهرة ولا يتطيبن لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏وليخرجن تفلات‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الأذان والإقامة للعيد‏]‏

وليس لها أذان ولا إقامة لما روى عطاء قال‏:‏ أخبرني جابر أن لا أذان للصلاة يوم الفطر ولا إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذ ولا إقامة متفق عليه وقال جابر بن سمرة‏:‏ صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين بلا أذان ولا إقامة رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صفة صلاة العيد‏]‏

وصلاة العيد ركعتان يقرأ في كل ركعة منهما بالحمد لله وسورة ويجهر بالقراءة بلا خلاف قال عمر رضي الله عنه‏:‏ صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى رواه الإمام أحمد في المسند ويسن أن يقرأ فيهما بسبح و‏{‏هل أتاك حديث الغاشية‏}‏ لحديث النعمان بن بشير ومهما قرأ أجزأه ويكبر في الأولى سبع تكبيرات منها تكبيرة الإحرام وفي الثانية خمسا سوى تكبيرة القيام لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏التكبير في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس تكبيرات سوى تكبيرتي الركوع‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

واعتددنا بتكبيرة الإحرام لأنها في حال القيام ولم نعتد في حالة القيام لأنها قبلة‏.‏

ويسن أن يرفع يديه في كل تكبيرة لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه مع كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد رواه الأثرم ويحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بين كل تكبيرتين وإن أحب قال‏:‏ الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وسلم تسليما لأنه يجمع بين ما ذكرناه‏.‏

وموضع التكبير بين الاستفتاح وقبل الاستعاذة والقراءة في الركعتين وعنه‏:‏ أنه قبل الاستفتاح أيضا اختارها الخلال وصاحبه والأول أولى لأن الاستفتاح لافتتاح الصلاة فيكون في أولها والاستعاذة للقراءة فتكون في أولها وعنه‏:‏ أنه يوالي بين القراءتين يجعلها في الأولى بعد التكبير وفي الثانية قبله لما روى علقمة أن عبد الله بن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم‏:‏ إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ تبدأ وتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر إلى أن قال‏:‏ وتركع ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وذكر الحديث قال أبو موسى وحذيفة صدق ووجه الأولى أنه تكبير في إحدى ركعتي العيد فكان قبل القراءة كالأولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تكبيرات العيد‏]‏

وتكبيرات العيد الزوائد والذكر بينها سنة لا يؤثر تركها عمدا وإن والى بين التكبير كان جائزا وإن نسي التكبير حتى شرع في القراءة لم يعد إليه لأنه سنة فلا يعود إليها بعد شروعه في القراءة كالاستفتاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خطبة العيد‏]‏

فإذا سلم خطب خطبتين كخطبتي الجمعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ويفارق خطبتي الجمعة في أربعة أشياء‏:‏

أحدها‏:‏ أن محلها بعد الصلاة لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة متفق عليه‏.‏

الثاني‏:‏ أنه يسن أن يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متوالية والثانية بسبع ويكثر التكبير في أضعاف الخطبة لما روى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة يكثر التكبير بن خطبتي العيدين‏.‏

الثالث‏:‏ أن يحثهم في الفطر على إخراج الفطر ويبين لهم ما يخرجونه وقته وجنسه وفي الأضحى يرغبهم في الأضحية ويبين لهم ما يجزىء فيها ووقت ذبحها ويحثهم على الإطعام منها لأنه وقت هذا النسك فيشرع تبيينه‏.‏

الربع‏:‏ أنهما سنة لا يجب استماعهما ولا الإنصات لهما لما روى عبد الله بن السائب قال‏:‏ شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلما قضى الصلاة قال‏:‏ ‏[‏إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب‏]‏ رواه أبو داود ويستحب أن يجلس عقيب صعوده ليستريح وقيل‏:‏ لا يجلس لأن الجلوس في الجمعة لموضع الأذان ولا أذان ههنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التنفل قبل الصلاة وبعدها‏]‏

ولا يتنفل قبل الصلاة وبعدها في موضع الصلاة لا في المسجد ولا في المصلى إماما كان أو مأموما لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها متفق عليه ولا بأس أن يصلي بعد رجوعه لما روى أبو سعيد قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين‏)‏ رواه ابن ماجه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من سبق بالتكبير أو بعضه‏]‏

ومن سبق بالتكبير أو بعضه لم يقضه لأنه سنة فات محلها‏.‏

وقال ابن عقيل‏:‏ يأتي به لأن محله القيام وقد أدركه وإن أدركه في الركوع تتبعه ولم يقض التكبير وجها واحدا وإن أدركه في التشهد قام إذا سلم الإمام فقضى ركعتين يكبر فيهما وإن أدركه في الخطبة استمع ثم قضى الصلاة إن أحب وفي صفة القضاء ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ يقضيها على صفتها لحديث أنس ولأنه قضى صلاة فكان على صفتها كغيرها‏.‏

الثانية‏:‏ يصليها أربعا بسلام واحد إن أحب أو بسلامين لما روى الأثرم عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ من فاته العيد فليصل أربعا ولأنها صلاة عيد فإذا فاتت صليت أربعا كالجمعة‏.‏

الثالثة‏:‏ هو مخير بين ركعتين وأربع لأنه تطوع نهار فكانت الخيرة له فيه مثل كالأضحى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم التكبير في العيدين‏]‏

ويشرع التكبير في العيدين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم‏}‏ وعن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر حتى يسمع أهل الطريق‏.‏

قال القاضي‏:‏ والتكبير في الفطر مطلق غير مقيد على ظاهر كلامه يعني لا يختص بأدبار الصلوات‏.‏

وقال أبو الخطاب‏:‏ يكبر من غروب الشمس إلى خروج الإمام إلى الصلاة وهل يكبر بعد صلاة العيد على روايتين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التكبير في الأضحى‏]‏

فأما التكبير في الأضحى فهو على ضربين‏:‏ مطلق ومقيد فأما المطلق فالتكبير في جميع الأوقات من أول العشر إلى آخر أيام التشريق وأما المقيد فهو التكبير في أدبار الصلوات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قيل لأحمد‏:‏ بأي حديث تذهب إلى أن التكبير في صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق‏؟‏ قال‏:‏ بالإجماع عن عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم وقد روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة ثم أقبل علينا فقال‏:‏ ‏[‏الله أكبر‏]‏ ومد التكبير إلى آخر أيام التشريق وصفه التكبير المشروع‏:‏ ‏(‏الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد‏)‏ لأن هذا يروى عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما قال أبو عبد الله‏:‏ اختاري تكبير ابن مسعود وذكر مثل هذا ولأن في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر تكبيرتين ولأنه يكبر خارج الصلاة فكان شفعا كتكبير الأذان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موضع التكبير‏]‏

وموضعه عقيب أدبار الصلوات المفروضات ولا يشرع عقيب النوافل لأنه لا أذان لها فلم يكبر بعدها كصلاة الجنازة وإن سبق الرجل ببعض الفريضة كبر إذا سلم وإن صلاها كلها وحده ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يكبر لأنه ذكر مشروع للمسبوق فأشبه التسليمة الثانية‏.‏

والثانية‏:‏ لا يكبر لأن ابن عمر كان لا يكبر إذا صلى وحده وقال ابن مسعود‏:‏ إنما التكبير على من صلى في الجماعة ولأنه مخصوص بوقت فخص بالجماعة كالخطبة وللمسافر كالمقيم في التكبير والمرأة كالرجل قال البخاري‏:‏ النساء كن يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز مع الرجال في المسجد ويخفض أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ أنها لا تكبر ومن فاتته صلاة في أيام التكبير فقضاها فيها كبر وإن قضاها بعدها لم يكبر لأن التكبير مقيد بالوقت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏استقبال القبلة عند التكبير‏]‏

ويكبر مستقبل القبلة فإن أحدث قبل التكبير لم يكبر لأن الحدث يقطع الصلاة وإن نسي التكبير استقبل القبلة وكبر ما لم يخرج من المسجد ويستحب الاجتهاد في العمل الصالح في أيام العشر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏ما العمل الصالح في أيام أفضل منه من العشر قالوا‏:‏ ولا الجهاد في سبيل الله‏؟‏ قال‏:‏ ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء‏]‏ أخرجه البخاري‏.‏

باب‏:‏ صلاة الكسوف

وهي سنة مؤكدة عند كسوف الشمس أو القمر لما روى أبو مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن الشمس والقمر آتيان من آيات الله تعالى يخوف الله بهما عباده وإنهما لا يكسفان لموت أحد من الناس فإذا رأيتن منها شيئا فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم‏]‏ وعن عائشة قالت‏:‏ خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث مناديا فنادى‏:‏ الصلاة جامعة وخرج إلى المسجد فصف الناس وراءه وصلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات متفق عليهما وتجوز جماعة وفرادى لإطلاق الأمر بهما في حديث أبي مسعود والجماعة أفضل لفعل النبي صلى الله عليه وسلم لها في جماعة وينادي لها‏:‏ الصلاة جامعة للحديث وتفعل للمسجد للخبر ولأن وقتها ضيقا فلو خرجوا إلى المصلى خيف فواتها‏.‏

فصل‏:‏ وصفتها

أن يكبر للإحرام ويستفتح ثم يقرأ الفاتحة وسورة البقرة أو نحوها ثم يركع ويسبح نحوا من مائة آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وآل عمران أو نحوها ثم يرفع فيسبح نحوا من سبعين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ثم يسجد سجدتين يسبح فيهما نحوا من الركوع ثم يقوم إلى الثانية فيقرأ الفاتحة وسورة النساء ثم يركع ويسبح نحوا من خمسين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد ويقرأ الفاتحة وسورة المائدة ثم يركع فيسبح نحوا من أربعين آية ثم يرفع فيسمع ويحمد نحوا من ركوعه ويتشهد ويسلم وليس هذا التقدير في القراءة والتسبيح منقولا عن أحمد رضي الله عنه ولا هو متعين وما قرأ به بعد أم الكتاب فيها أجزأه لكن يستحب ذلك ليقارب فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما روت عائشة قالت‏:‏ قال‏:‏ خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى المسجد فقام وكبر وصف الناس وراءه فقرأ رسول الله قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏[‏سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏]‏ ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال‏:‏ ‏[‏سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد‏]‏ ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك عند استكمل أربع ركعات وأربع سجدات فانجلت الشمس متفق عليه‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ فرأيت أنه قرأ في الأولى بسورة البقرة وفي الثانية سورة آل عمران ويجهر بالقراءة ليلا كان أو نهارا لأن عائشة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف ‏[‏رواه أبو داود‏]‏ ولأنها صلاة شرع لها الجمع الكثير فسن لها الجهر كالعيد وإن صلى في كل ركعة ثلاث ركوعات على نحو ما ذكرنا جاز لأن عائشة روت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات رواه مسلم‏.‏

وإن جعل في كل ركعة أربع ركوعات جاز أيضا لأنه يروى عن علي وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم والمختار الأول لأنه أصح وأشهر‏.‏

فصل‏:‏ ووقتها

من حين الكسوف إلى حين التجلي فإن فاتت لم تقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏صلوا حتى يكشف الله ما بكم‏]‏ وإن تجلت وهو في الصلاة أتمها وخففها وإن سلم قبل انجلائها لم يصل أخرى واشتغل بالذكر والدعاء وإن استترت بغيم صلى لأن الأصل بقاء الكسوف وإن غابت كاسفة فهو كانجلائها لأنه ذهب وقت الانتفاع بنورها وإن طلعت الشمس والقمر خاسف فكذلك لما ذكرنا وإن غاب ليلا وهو كاسف لم يصل كالشمس إذا غابت وقال القاضي‏:‏ يصلي لأن وقت سلطانه باق‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الخطبة لها‏]‏

قال القاضي‏:‏ لم يذكر لها أحمد خطبة ولا رأيته لأحد من أصحابنا وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصلاة دون الخطبة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اجتماع الكسوف والجنازة‏]‏

إذا اجتمع الكسوف والجنازة بدىء بالجنازة لأنه يخاف عليها وإن اجتمع مع المكتوبة في آخر وقتها بدىء بها لأنها آكد وإن كان في أول وقتها بدىء بصلاة الكسوف لأنه يخشى فواتها وإن اجتمع هو والوتر وخيف فواتهما بدئ بالكسوف لأنه آكد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الصلاة لغير الكسوف من الآيات‏]‏

ولا يصلى لغير الكسوف من الآيات لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه إلا أن أحمد رضي الله عنه قال‏:‏ يصلي للزلزلة الدائمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل الكسوف بأنه آية يخوف الله بها عباده والزلزلة أشد تخويفا فأما الرجفة فلا تبقى مدة تتسع لصلاة‏.‏

باب‏:‏ صلاة الاستسقاء

وهي سنة عند الحاجة إليها لما روى عبد الله بن زيد قال‏:‏ خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه وصلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة متفق عليه وصفتها في موضعها وأحكامها صفة صلاة العيد وهل يكبر فيهما تكبير العيدين‏؟‏‏.‏

على روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يكبر لأن عبد الله بن زيد لم يذكره‏.‏

والثاني‏:‏ يكبر لأن ابن عباس روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما يصلى في العيدين حديث صحيح وعن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يصلون صلاة الاستسقاء يكبرون فيها سبعا وخمسا رواه الشافعي في مسنده ولا وقت لها معين إلا أن الأولى فعلها في وقت صلاة العيد لشبهها بها وذكر بن عبد البر أن الخروج إليها عند زوال الشمس عند جماعة العلماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذن الإمام لصلاتها‏]‏

وفي إذن الإمام روايتان بناء على صلاة العيد‏:‏

إحداهما‏:‏ هو شرط لها قال أبو بكر‏:‏ فإن خرجوا بغير إذن الإمام صلوا ودعوا بغير خطبة‏.‏

والثانية‏:‏ يصلون ويخطب بهم أحدهم والأولى الإمام إذا أراد الاستسقاء أن يعظ الناس ويأمرهم بتقوى الله والخروج عن المظالم والتوبة من المعاصي وتحليل بعضهم بعضا والصيام والصدقة وترك التشاحن لأن المعاصي سبب القحط والتقوى سبب البركات قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون‏}‏ ويعد الناس يوما يخرجون فيه ويأمرهم أن يخرجوا على الصفة التي خرج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم للاستسقاء متبذلا متواضعا متخشعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يخطب كخطبتكم هذه ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد هذا حديث صحيح ويسن التنظيف وإزالة الرائحة لئلا يؤذي الناس بها ولا يلبس زينة ولا يتطيب لأن هذا يوم استكانة وخضوع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خروج الشيوخ والصبيان ومن له ذكر جميل ودين وصلاح‏]‏

ويخرج الشيوخ والصبيان ومن له ذكر جميل ودين وصلاح لأن أسرع للإجابة ويستحب أن يستسقي الإمام بمن ظهر صلاحه لأن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم واستسقى معاوية والضحاك بيزيد بن الأسود الجرشي وروي أن معاوية أمر يزيد بن الأسود فصعد المنبر فقعد عند رجليه فقال معاوية‏:‏ اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فما كان بأوشك من أن ثارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتى كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم ولا يستحب إخراج البهائم لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخرجها ولا إخراج الكفار لأنهم أعداء الله فلا يتوسل بهم فإن خرجوا لم يمنعوا لأنهم يطلبون رزقهم ويفردون عن المسلمين بحيث إن أصابهم عذاب لم يصب غيرهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الخطبة لها‏]‏

واختلفت الرواية في الخطبة فروي‏:‏ أنه لا يخطب وإنما يدعو لقول ابن عباس‏:‏ لم يخطب خطبتكم هذه وروي أنه يخطب قبل الصلاة لقول عبد الله بن زيد‏:‏ فتوجه إلى القبلة يدعو وحول رداءه ثم صلى‏.‏

وعنه‏:‏ أنه مخير في الخطبة قبل الصلاة وبعدها لأن الجميع مروي‏.‏

وعنه‏:‏ يخطب بعد الصلاة لأن أبا هريرة قال‏:‏ صلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم خطبنا وهذا صريح ولأنها مشبهة بصلاة العيد وخطبتها بعد الصلاة فإذا صعد المنبر جلس ثم قام فخطب خطبة واحدة يفتتحها بالتكبير لأنه لم ينقل أحد من الرواة خطبتين ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار مثل‏:‏ ‏{‏استغفروا ربكم إنه كان غفارا‏.‏ يرسل السماء عليكم مدرارا‏}‏ ‏{‏وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏}‏ ويكثر الدعاء والتضرع ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن قتيبة بإسناده عن أنس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الاستسقاء فتقدم فصلى ركعتين يجهر فيهما بالقراءة فلما قضى صلاته استقبل القوم بوجهه وقلب رداءه ورفع يديه وكبر تكبيرة قبل أن يستسقي ثم قال‏:‏ ‏[‏اللهم اسقنا وأغثنا اللهم اسقنا غيثا مغيثا وحيا ربيعا وجدا طبقا غدقا مغدقا مونقا هنيئا مريئا مريعا مربعا مرتعا سابلا مسبلا مجللا دائما درورا نافعا غير ضار عاجلا غير رائث اللهم تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله بلاغا للحاضر منا والباد اللهم أنزل في أرضنا زينتها وأنزل في أرضنا سكنها اللهم أنزل علينا من السماء ماء طهورا فأحي به بلدة ميتا واسقه مما خلقت لنا أنعاما وأناسي كثيرا‏]‏ فالحيا الذي يحيى به الأرض‏.‏

والجدا‏:‏ المطر العام‏.‏

والطبق‏:‏ الذي يطبق الأرض‏.‏

والغدق‏:‏ الكثير‏.‏

والمونق‏:‏ المعجب‏.‏

والمريع‏:‏ ذو المراعة والخصب‏.‏

والمربع‏:‏ المقيم من قولك‏:‏ ربعت بالمكان إذا أقمت فيه‏.‏

والسابل‏:‏ المطر‏.‏

والمسبل‏:‏ الماطر‏.‏

والسكن‏:‏ القوة لأن الأرض تسكن به‏.‏

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال‏:‏ ‏[‏اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجللا طبقا عاما سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والضنك والجهد ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنزل علينا من بركاتك اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من العذاب ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا‏]‏ ويستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويحول رداءه يجعل اليمين يسارا واليسار يمينا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم تفاؤلا أن يحول الله تعالى الجدب خصبا ولا يجعل أعلاه أسفله لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ويدعو الله في استقباله فيقول‏:‏ اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك وقد دعوناك كما أمرتنا فاستجب لنا كما وعدتنا لأن عبد الله بن زيد روى‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى يستسقي فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن‏.‏

ويرفع يديه لأن أنسا قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه متفق عليه فإن سقوا قبل الصلاة صلوا وشكروا الله تعالى وسألوه المزيد من فضله وإن صلوا ولم يسقوا عادوا في اليوم الثاني والثالث لأن الله يحب الملحين في الدعاء‏.‏

فصل‏:‏ والاستسقاء على ثلاثة أضرب

أحدها‏:‏ مثل ما وصفنا‏.‏

والثاني‏:‏ أن يستسقي الإمام يوم الجمعة على المنبر كما روى أنس‏:‏ أن رجلا دخل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فاستقبل رسول الله قائما ثم قال‏:‏ يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع رسول الله يديه فقال‏:‏ ‏[‏اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا‏]‏ وذكر الحديث متفق عليه‏.‏

الثالث‏:‏ أن يدعوا عقيب الصلوات ويستحب أن يقف في أول المطر ويخرج ثيابه ليصيبها لما روى أنس في حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل عن منبره حتى رأينا المطر يتحادر من لحيته ‏[‏رواه البخاري‏]‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كثر المطر بحيث يضرهم‏]‏

فإن كثر المطر بحيث يضرهم أو كثرت مياه العيون حتى خيف منها استحب أن يدعو الله تعالى حتى يخففه لأن في حديث أنس قال‏:‏ فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله تهدمت البيوت وقطعت السبل وهلكت المواشي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اللهم على ظهور الجبال والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر‏]‏ فانجابت عن المدينة انجياب الثوب متفق عليه وفي حديث آخر‏:‏ ‏[‏اللهم حوالينا ولا علينا‏]‏ ويقول‏:‏ ‏{‏ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا‏}‏‏.‏